عمرو حمزاوى يكتب : وطنية ملهمة

ومن بين كل صنوف الجنون والعبث والصخب التى تحاصر المجال العام فى مصر، يخرج اسم العقيد معتصم فتحى ليعيد شيئا من المعنى والمضمون


العقيد معتصم فتحى ، والذى عمل سابقا فى هيئة الرقابة الإدارية ، هو بطل قضية القصور الرئاسية، وصاحب دور رئيسى فى كشف عدد من قضايا الفساد، وسوء استغلال المنصب العام.

هو الضابط المحترم الذى تعرض لإجراءات إنتقامية بسبب إصراره على تعقب قضايا الفساد، وأنتهى به الحال إلى ترك عمله، والإبتعاد عن الوطن، والإقامة فى الخارج


يؤلمنى الظلم الواقع على العقيد معتصم فتحى، وأتمنى أن يرفع عنه وعن كل مظلوم.

غير أن لدوره العديد من الدلالات الإيجابية التى ينبغى كسر الصمت عنها ، إحتراما وتقديرا له ، وللهيئة الوطنية التى عمل بها .


فمن جهة أولى ، نحن أمام مواطن مصرى شغل وظيفة حكومية، واضطلع بجدية وفاعلية بمسئوليات وظيفته ولم تحل الإجراءات الانتقامية التى تعرض لها قبل ثورة يناير  2011، دون كشفه لخيوط عدد من قضايا الفساد، والتمهيد للمساءلة والمحاسبة القضائية للمتورطين فيها.

والضابط المحترم يقدم بذلك نموذجا عصريا للمواطن الغيور على الصالح العام، وللموظف الحكومى الذى يضع المصلحة الوطنية على رأس قائمة أولوياته، ويمارس مسئوليات وظيفته وفقا لها، دون بحث عن مجد شخصى أو كثير ادعاء ببطولات ذاتية.


من جهة ثانية، ما كان العقيد مصطفى فتحى ليتمكن من الاضطلاع الجاد والفعال بمسئوليات وظيفته، لولا توافر شىء من الدعم المؤسسى من قبل هيئة الرقابة الإدارية، وربما بعض الهيئات الحكومية الأخرى.

أدرك جيدا أن الإجراءات التى تعرض لها الرجل تضمنت إزاحته بعيدا عن وظيفته، ومحاربته فى رزقه، قبل أن يبتعد عن الوطن، وقرأت العديد من التقارير الصحفية التى وثقت تلك الحقيقة المؤلمة


على الرغم من ذلك، يستحيل تصور أن يأتى النجاح فى الكشف عن قضايا فساد فى بيئة مجتمعية وسياسية معادية للشفافية، ورافضة للمساءلة والمحاسبة القضائية للشرائح العليا من موظفى العموم، مستندا فقط إلى اجتهادات فردية، ومهما كانت هذه الاجتهادات عظيمة وشجاعة واستثنائية  

يظل شيئا من الدعم المؤسسى ضرورى للإمساك بخيوط قضايا الفساد، وسوء استغلال المنصب العام، وأساسى للكشف عنها وتوثيقها على نحو يمكن من مساءلة ومحاسبة المتورطين فيها.

بالقطع حارب بعض النافذين داخل هيئات حكومية العقيد مصطفى فتحى، وحاولوا تعويق عمله، كما يحارب بالقطع آخرون ممن يرون فى الوظيفة العامة فرصة لمكافحة الفساد وليس للإفساد.

غير أن نجاح المواطن المحترم / الضابط المحترم فى عمله، يدل على أنه لم يكن بمفرده فى تعقبه لقضايا الفساد، لا داخل هيئة الرقابة الإدارية، ولا داخل هيئات حكومية أخرى


من جهة ثالثة، يعنى كل من دور العقيد مصطفى فتحى، والدعم المؤسسى الذى أتصور أنه حصل عليه، أن الفساد المستشرى فى مصر والمعتاش على غياب الشفافية والمساءلة والمحاسبة وغيرها من القيم الديمقراطية، لم يسيطر بعد على جميع مستويات ومفاصل الهيئات الحكومية، ولم يتمكن بعد بالكامل من الشرائح العليا لموظفى العموم


وبجانب تقديم زاد واقعى للأمل فى الحد من الفساد، والتعقب القضائى للمتورطين فيه، تنقذ لنا هذه الحقيقة شيئا من المعنى والمضمون وسط صنوف الجنون والعبث والصخب التى تحاصرنا، وتستعيد لنا كمصريات ومصريين مفردات وطنية جميلة وملهمة وإيجابية


القائمة الرئيسية

المرصد

الصفحات

تصميم وتطوير شركة الابداع فى التصميم 2013