عمرو حمزاوى يكتب : رسالة مكلومين
د. عمرو حمزاوى د. عمرو حمزاوى

نشر فى بوابة الشروق : الأربعاء 20 يناير 2016 - 10:40 م 
«مرسل إليكم من حمدى سعيد، محام وشقيق الطبيب أحمد سعيد، جراح أوعية دموية بفرانكفورت ألمانيا.

نرسل إليكم طلب الدعم والكتابة عن قضية الدكتور أحمد. فقد تصادف أثناء قضاء أحمد لإجازته السنوية فى مصر مروره بوقفة صامتة لمجموعة من الشباب على رصيف كوبرى 6 أكتوبر لإحياء ذكرى أحداث محمد محمود. وكان ذلك بتاريخ 19 نوفمبر 2015. الهدف من الوقفة كان التذكير بأرواح الشهداء والمصابين، وقد تضامن أحمد مع الشباب لبضع دقائق ثم حياهم وانصرف. بعد ساعات قليلة، تم إلقاء القبض عليه من مقهى فى منطقة عابدين واقتياده إلى قسم شرطة عابدين بحجة الكشف على بطاقته الشخصية. بعد ذلك تم احتجازه فى القسم، ووجهت إليه تهم بالتظاهر وقطع الطريق فى منطقة عابدين، تحديدا تقاطع شارع محمد محمود مع شارع محمد فريد. وواقع الأمر أن هذا لم يحدث أبدا، وتم نفيه فى إفادة رسمية من هيئة النقل العام. بعد ذلك تعرض أحمد لانتهاكات دستورية وقانونية، أهمها حبسه فى زنزانة تأديب هو وأربعة شباب تم توجيه ذات التهم إليهم. كذلك حرم أحمد من حقه فى الاتصال والمراسلات، ومنعت عنه الملابس الشتوية والأدوية والمراجع الطبية الهامة لعمله، بل لم يتمكن من الحصول على ورقة وقلم. وبعد 20 يوما من القبض على أحمد، تم الحكم عليه وعلى الشباب الآخرين بعامين حبسا، وهو الآن بسجن العقرب مشدد 2».
منذ يومين، وصلتنى الأسطر السابقة ودفعتنى إلى القراءة عن أحمد سعيد والبحث عن معلومات إضافية. طبيب مصرى يعمل الخارج، يعود إلى الوطن فى إجازة سنوية، يتضامن مع وقفة صامتة لم تقطع الطريق تحيى ذكرى محمد محمود التى شارك هو بها باعتباره طبيبا فى المستشفى الميدانى، تسلب حريته بعد ساعات من تضامنه السلمى مع الوقفة السلمية ينتهى به الحال فى سجن العقرب.
للأسف لم يعد مثل هذا الانتهاك السافر لحق المواطن فى التعبير الحر والسلمى عن الرأى يشكل استثناء من القاعدة، فمصر بها شباب سلبت حريتهم لأنهم أرادوا أن يواسوا والدة رفيق لهم فقدته كأم وفقدوه كأصدقاء، فألقى القبض عليهم ودفع بهم إلى خلف أسوار السجون.
ولم لا، ومصر بها الآلاف من المحبوسين احتياطيا دون إجراءات تقاض عادلة وناجزة، وبدلا من أن يجرم ويحاسب المسئول عن سلب حريتهم يجرم كل من يذكر الرأى العام بالظلم الواقع عليهم ويطالب بالإفراج عنهم؟ ولم لا، ومصر بها قانون للتظاهر زعم مؤيدوه ــ زيفا ــ اتساقه مع المعايير العالمية لممارسة الحق فى التظاهر بينما هو يجرم وقفة سلمية صامتة لم تقطع الطريق؟
للأسف أيضا، تدلل الشهادات الشخصية المتواترة عن المعاملة التعسفية للمسلوبة حريتهم فى السجون وغيرها من أماكن الاحتجاز على إهدار ممنهج لكرامة الإنسان. على لسان الأهل (كما فى حالة الطبيب أحمد سعيد) أو من خلال تصريحات المحامين المتولين للدفاع عنهم، تأتى هذه الشهادات الشخصية لتخبر أصحاب الضمير والمستجيرين بالعدل من رمضاء الصمت على الانتهاكات والمعايير المزدوجة عن مظلومين لا يقف الظلم الواقع عليهم عند أسوار السجون بل يتجاوزها إلى داخل الزنازين. وما إن ينشط بعض أصحاب الضمير ويطلقون مبادرات لجبر الضرر عن الضحايا ــ كحملة «الحق فى الصحة داخل أماكن الاحتجاز» على سبيل المثال، حتى تطولهم هم أيضا اليد القمعية للأجهزة الأمنية ــ فتسلب حريتهم.
لا أملك اليوم من أدوات للمواجهة السلمية للظلم سوى الكتابة، وأدرك جيدا أن الكلمة المكتوبة ما عاد لها من البريق ما يخلص من الألم ولا من الفاعلية ما يحد من وطأة الشعور بالعجز.

لقراءة المقالة من الموقع الاصلى اضغط هنا 


القائمة الرئيسية

المرصد

الصفحات

تصميم وتطوير شركة الابداع فى التصميم 2013